How Can We Help?
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فإن علم المحاسبة الزكوية علمٌ حديث، ولا زال –بحمد الله- يرتقي يوما بعد يوم إلى مستوى النضوج الذي يتطلبه ميدان المال والأعمال، ولئن كان علم المحاسبة المالية قد حظي بكثير من العناية والتحرير لأسسه ومبادئه وخصائصه، فإن علم المحاسبة الزكوية على العكس من ذلك، ولا زالت أسسه ومبادؤه في حاجة إلى مزيد من البيان والتفصيل.
وفي هذا البحث سوف نجتهد على بيان شيء من أسس المحاسبة الزكوية، وهو موجه بالدرجة الأولى إلى الماليين والمحاسبين.
خطة البحث:
الأساس الأول: اعتبار الشخصية الاعتبارية للمنشأة.
الأساس الثاني: جمع الأموال الزكوية إلى بعضها، وخلطها.
الأساس الثالث: النماء حقيقة أو حكمًا.
الأساس الرابع: تبعية النماء للأصل.
الأساس الخامس: تحميل الزكاة على الشركاء.
الأساس السادس: التقويم على أساس القيمة السوقية.
الأساس السابع: لا ثني في الزكاة.
الأساس الثامن: حساب الزكاة على صافي الأموال الزكوية.
الأساس التاسع: بلوغ وعاء الزكاة حد النصاب.
الأساس العاشر: نسبية سعر الزكاة.
الأساس الحادي عشر: مقدار الزكاة محدد معلوم.
الأساس الثاني عشر: دفع الزكاة نقدًا أو عينًا.
الأساس الثالث عشر: السنوية (الحولية).
الأساس الرابع عشر: الزكاة على واقع الحال.
الأساس الخامس عشر: الإفصاح الزكوي التام.
الأساس السادس عشر: التقدير.
الأساس الأول: اعتبار الشخصية الاعتبارية للمنشأة.
تربط الزكاة على الشركات لكونها شخصًا اعتباريًا، وذلك في كل من الحالات الآتية:
-
صدور نص قانوني ملزم بتزكية أموالها.
-
تضمن النظام الأساسي لذلك.
-
صدور قرار الجلسة العامة للشركة بذلك.
-
رضا المساهمين شخصيًا، وذلك بتوكيلهم إدارة الشركة بإخراجها نيابة عنهم.
ومستند اعتبار الشخصية الاعتبارية:
الأخذ بمبدأ الخلطة الوارد في السنة النبوية بشأن زكاة الأنعام، وذلك بتعميمه على كافة أنواع الأموال، ويقصد به: أن يعامل المال المملوك لاثنين أو أكثر من الشركاء معاملة المال الواحد بسبب الاتحاد في الأوصاف والظروف، وبناء على ذلك ينظر إلى أموال الشركاء كأنها مال واحد وذلك من حيث الحول والوعاء والنصاب والنسبة والمقدار.
وهذا هو ما رجحه كثير من المعاصرين أنه يعامل معاملة الشركات([1])، وهو ما قرره مؤتمر الزكاة الأول المنعقد في الكويت([2])، ومجمع الفقه الإسلامي([3]).
وفي حال وجود بعض المساهمين من غير أهل الزكاة فإنه على الشركة طرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، كأن تكون لغير المسلمين أو لجهات خيرية أو نحو ذلك، ثم إخراج زكاة باقي الأسهم زكاة المال الواحد، وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة([4]).
إذاً: فالطريق الأفضل:
أن تقوم الشركة بإخراج الزكاة ضمن الحالات الأربع المذكورة آنفًا، فإن لم تفعل فينبغي للشركة أن تحسب زكاة أموالها ثم تُلحق بميزانيتها السنوية بيانًا بما يجب في حصة السهم الواحد من الزكاة، تسهيلًا على من أراد من المساهمين معرفة مقدار زكاة أسهمه.
· وفيما يلي بيان لبعض مسائل الخلطة:
· تعريف الخلطة:
لغة: الخلطة بالضم: الشركة، من باب خلطت الشيء بالشيء خلطا فاختلطا، وذلك بتداخل أجزاء الأشياء بعضها ببعض سواء أمكن التمييز بعد ذلك بين هذه الأشياء أم لا.
والخلطاء: الشركاء، وذلك كما في قوله تعالى: {وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}([5])، فالخلطاء ها هنا الشركاء الذين لا يتميز ملك كل واحد من ملك صاحبه إلا بالقسمة، ويكون الخلطاء أيضًا أن يخلطوا العين المتميز بالعين المتميز كما فسر الشافعي، ويكونون مجتمعين ([6]).
شرعًا: أن يجعل مال الرجلين أو مال جماعة كمال الرجل الواحد، وذلك بأن يجعل مالين لاثنين مثلاً مالًا واحدًا بعد حصول النصاب في مال كل واحد منهما([7]).
· أقسام الخلطة.
-
خلطة أعيان. وهي: أن يملك اثنان أو أكثر مالاً مشتركا بينهم بحيث يكون لكل منهم نصيب مشاع في هذا المال، فلا يتميز نصيب أحدهم عن الآخر، ويكون ذلك بطريق الإرث أو الشراء أو غير ذلك.
وتسمى كذلك: خلطة شيوع، وخلطة اشتراك أو شركة.
-
خلطة أوصاف. وهي: أن يخلط اثنان فأكثر مالاً لهم على أن يكون مال كل منهم متميزًا عن الآخر من دون اشتراك، لكنهما متجاوران مختلطان في الأوصاف؛ كالمبيت والمشرب والفحل([8]).
· آراء الفقهاء في الخلطة:
اختلف أهل العلم في مسائل الخلطة (الشراكة) منها:
هل للخلطة تأثير في الزكاة أم لا؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الخلطة تؤثر في الزكاة، فيزكي الخليطان أو الشريكان مالهما زكاة المالك الواحد([9]).
واستدلوا بقوله r:”لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية”([10]).
فلولا تأثير الخلطة لما نهي عن التفريق بين المجتمع والتجميع بين المفترق خشية الصدقة، ولا يكون ذلك إلا إذا كان لجماعة، وذلك لأن الواحد يضم ماله بعضه إلى بعض بالإجماع.
والمقصود بالخليطين غير الشريكين؛ لأن الشريكين لا فرق بين اجتماعهما وافتراقهما.
وخالف في ذلك الحنفية فذهبوا إلى عدم اعتبار تأثير الخلطة على الزكاة([11]).
واستدلوا بأن المراد بالجمع والتفريق هو الجمع والتفريق بالملك، وليس بالمخالطة.
هل الخلطة معتبرة في النصاب والمقدار أم في المقدار فقط؟
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الخلطة معتبرة في النصاب والمقدار، فإذا لم يبلغ مال أحد الشركاء بمفرده نصابًا، وبلغ ذلك مع مال الشركاء، فإن الخلطة تعتبر، ويعتبر مالهم كالمال الواحد في بلوغ النصاب([12]).
وذهب المالكية إلى اعتبار الخلطة في المقدار فقط دون النصاب، فلا بد من أن يبلغ نصيب كل شريك نصابًا حتى نعتبر الخلطة، فإذا لم يبلغ نصيب أحد الشركاء نصابًا فلا اعتبار لها، بل يزكي كل شريك ماله فرديًا إذا بلغ ما يملكه نصابًا([13]).
هل الخلطة خاصة بالماشية أم هي عامة لجميع الأموال؟
ذهب الشافعية إلى أنها عامة في جميع الأموال([14]).
واستدلوا بعموم الحديث: “ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع”، فهو نص عام في الماشية وغيرها، فيعم جميع الأموال.
فالمالان مهما كان نوعهما مما وجبت فيه الزكاة يعدان كالمال الواحد من حيث التكلفة والمؤونة، إذ إن سبب تأثير الخلطة في الماشية هو خفة التكلفة والمؤونة الحاصلة باتحاد الماشية في المرعى والمراح وغير ذلك، مما يؤدي لخفة المؤونة على المالك، وهذا الأمر من خفة المؤونة متحقق أيضًا في خلطة باقي الأموال؛ كاتحاد المكان والمستودعات ونحوها في زكاة عروض التجارة وغير ذلك، فوجب أن يكون حكمهما واحدًا([15]).
وذهب الحنابلة([16]) والمالكية([17]) إلى أنها خاصة بالماشية، وذلك أن تأثير الخلطة لا يكون إلا في الماشية، بخلاف باقي الأموال.
تعقيب:
يتبين لنا مما سبق أن أوسع المذاهب في الخلطة هو مذهب الشافعي في الجديد، حيث إنه يرى الخلطة في النصاب والمقدار، كما أنه يرى سريان الخلطة على جميع أنواع الأموال بلا استثناء، وعند النظر نجد أن هذا الاتجاه هو المترجح؛ لقوة أدلته.
· أثر مبدأ الخلطة في حساب زكاة الشركات المساهمة.
يعتبر مبدأ الخلطة – كما أسلفنا – أساسًا وتأصيلًا لمعاملة الشركات المساهمة ونحوها معاملة شخصية واحدة، فتكون الخلطة نظامًا زكويًا يسري على جميع الأموال الزكوية، فنعطي حكم خلطة الماشية لجميع الأموال المختلطة، وتعامل أموال الشركات بناء على ذلك معاملة مال الشخص الواحد في إخراج الزكاة.
علمًا أن هذا هو ما رجحه كثير من المعاصرين معاملة الشركات([18])، وهو ما قرره مؤتمر الزكاة الأول المنعقد في الكويت ([19]).
الأساس الثاني: جمع الأموال الزكوية إلى بعضها، وخلطها.
ويقصد به: أن تضم الأموال الزكوية التي تتوافر فيها شروط الخضوع للزكاة إلى بعضها البعض، فتعبتر خلطة واحدة، وزمرة واحدة، ويكون لها نصاب واحد.
يقول ابن قدامة: “فإن عروض التجارة تضم إلى كل واحد من الذهب والفضة، ويكمل به نصابه. لا نعلم فيه اختلافا”([20]).
ويقول الخطابي: لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه؛ وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها، فتقوم بكل واحد منهما، فتضم إلى كل واحد منهما”([21]).
والسبب في ذلك: أن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة، وكذلك النقدين، فكل ما تعلقت التجارة فيه بالقيمة وجب ضمه إلى بعضه كجنس واحد.
الأساس الثالث: النماء حقيقة أو حكمًا.
وهو أن يكون المال الخاضع للزكاة ناميًا حقيقة أو حكمًا.
نماء حقيقي: كمال التجارة، ومال الأنعام، سواء تحول إلى نقد خلال العام أم لم يتحول.
نماء حكمي: كالأموال النقدية غير المستثمرة والتي إذا استثمرت نمت.
والقول باشتراط النماء هو قول جماهير الفقهاء.
يقول الباجي: “إن الزكاة إنما تجب في الأموال المرصدة للنماء”([22]).
ويقول السرخسي: “وجوب الزكاة باعتبار النماء”([23]).
ويقول الماوردي: “الزكاة واجبة في الأموال النامية؛ كالمواشي والزروع وعروض التجارات دون ما ليس بنام؛ كالدور والعقارات”([24]).
ويقول ابن قدامة: “صفة النماء معتبرة في الزكاة”([25]).
وبناء على ذلك لا تخضع الأصول الثابتة (عروض القنية) وما في حكمها للزكاة؛ لأنها ليست مالًا ناميًا باعتبارها مشغولة بموجبات التشغيل والاستخدام.
الأساس الرابع: تبعية النماء للأصل.
ويقصد بذلك: أن ما يتولد من أنشطة الشركة المختلفة من زيادة أو أرباح وإيرادات أو ما في حكم ذلك من أنواع النماء يضاف إلى المال الأصلي المرصد للتجارة والاستثمار، وينظر إلى الجميع على أنه من الأموال الزكوية والذي يمثل وحدة واحدة في جميع الأحكام.
يقول ابن قدامة:
“أن يكون المستفاد من نمائه كربح مال التجارة ونتاج السائمة، فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله، فيعتبر حوله بحوله، لا نعلم فيه خلافا؛ لأنه تبع له من جنسه، فأشبه النماء المتصل، وهو زيادة قيمة عروض التجارة”([26]).
الأساس الخامس: تحميل الزكاة على الشركاء.
ويعني ذلك: أن الذي يتحمل الزكاة فعلًا هم الشركاء أو المساهمون وليست الشركة حتى وإن دفعتها؛ لأنها عبادة يتحملها الشخص الطبيعي.
وتنحصر مسؤولية الشركة في حسابها له وإخباره بها، ولو أدته عنها فهو إنما يكون من باب التفويض والتوكيل من طرفه.
وبناء على ذلك: توزع الزكاة على الشركاء حسب حصصهم في رأس المال، وتسوى في حساباتهم الجارية كديون.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:
«تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه».
كما ذهب إلى ذلك مؤتمر الزكاة الأول([27])، والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية([28])، وعليه فإن إخراج الشركة الزكاة هو بالنيابة عن المساهمين.
ويترتب على كون المساهم هو المكلف بإخراج الزكاة نتيجة مهمة، وهي أن الزكاة لا تؤخذ إلا عن المساهمين المكلفين بالزكاة شرعًا، لهذا قرر مجمع الفقه أنه لا تجب الزكاة عن الأسهم المملوكة لجهات لا تجب عليها الزكاة شرعًا، مثل الأسهم المملوكة للدولة، أو المؤسسات العامة، أو الأوقاف على جهات عامة، أو غير المسلمين، وأوجب إخراج حصصهم من وعاء الشركة للزكاة، حيث جاء في قراره:
«ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين».
الأساس السادس: التقويم على أساس القيمة السوقية.
تقوم العروض التجارية في نهاية الحول لأغراض حساب الزكاة بالقيمة السوقية، وهي مسألة جوهرية يجب أن يتفطن إليها كل حاسب زكاة، وخاصة فيما يتعلق بالمخزون؛ وذلك أن القيمة المضمنة غالبًا في القوائم المالية تكون القيمة الدفترية تطبيقًا لمبدأ (التكلفة التاريخية).
وتقييم العروض بالسعر الحالي الذي تباع به السلعة في السوق عند وجوب الزكاة عليها هو قول جمهور الفقهاء، وقد جاء عن جابر بن زيد من التابعين في عرض يراد به التجارة: قوِّمه بنحو من ثمنه يوم حلّت فيه الزكاة، ثم أخْرِج زكاته ([29]).
الأساس السابع: لا ثني في الزكاة.
ويقصد بذلك: أن كل سنة زكوية لها بداية ونهاية مستقلة عن السنوات التالية، فلا يجوز أن تفرض على المال الواحد زكاتان في نفس السنة الواحدة، أو يخضع المال لنفس الزكاة مرتين في نفس السنة، وذلك لمبدأ عدم الازدواج.
يقول السبكي: ” قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: “لا يجب في عين واحدة زكاتان””([30]).
يقول أبو عبيد في تعريف الثني: “أن لا تؤخذ الصدقة من عام مرتين”([31]).
ويقول ابن قدامة: “لا يجوز إيجاب زكاتين في حول واحد، بسبب واحد لقول النبي r: «لا تثني في الصدقة»”([32]).
ويقول السرخسي: ” لا يجب بسبب ملك مال واحد حقان لله تعالى”([33]).
الأساس الثامن: حساب الزكاة على صافي الأموال الزكوية.
ويقصد بذلك: أن يخصم من الوعاء الالتزامات والأموال التي لا تنطبق عليها شروط الزكاة؛ على خلاف بين العلماء في المخصومات المستحقة للخصم، وبعد خصمها ينتج لنا الوعاء الزكوي الصافي للأموال الزكوية الخاضعة للزكاة، فتكون المعادلة كالتالي:
وعاء الزكاة = الأموال الزكوية – المطلوبات المخصومة
روي عن عثمان t أنه كان يقول: ” هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدوا منها الزكاة”([34]).
ويقول ميمون بن مهران: “إذا حلَّت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض فقوِّمه قيمة النقد، وما كان من دَيْن في ملأة([35]) فاحسبه ثم اطرح منه ما كان عليك من الدَيْن، ثم زكِّ ما بقي”([36]).
الأساس التاسع: بلوغ وعاء الزكاة حد النصاب.
ويقصد بذلك: أن يصل وعاء الزكاة بالنسبة للشركة قدرًا يعادل 85 جرامًا من الذهب على الراجح، ويطبق مبدأ الخلطة في النصاب على ما سبق ترجيحه، بأن يعتبر النصاب للشخصية الاعتبارية ككل.
وقد أجمع العلماء على اعتبار هذا الأساس([37]).
ولقد نص قرار مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثاني على أنه:
يكون تقويم نصاب الزكاة في نقود التعامل المعدنية وأوراق النقد والأوراق النقدية وعروض التجارة على أساس قيمتها ذهبًا فما بلغت قيمته من أحدها عشرون مثقالًا ذهبيًا (85 جراما) وجبت فيه الزكاة؛ وذلك لأن الذهب أقرب إلى الثبات من غيره، ويرجع في معرفة قيمة مثقال الذهب بالنسبة إلى النقد الحاضر إلى ما يقرره الخبراء.
ولبعض الباحثين تعليل آخر لاختيار نصاب الذهب لتقويم النقود، وهو أن الذهب هو المعدن النفيس الذي يتخذ رصيدًا وغطاء – ولو بصفة جزئية – لأوراق النقد التي تصدرها أي دولة، وهو الذي تُقَوّم على أساسه قيمة النقود الورقية، وهو بمثابة العملة الدولية والمعيار الذي تقاس به نقود العالم وتنسب قيمتها إليه، وإن كان ذلك لا يمنع من تغير قيمته بين زمن وآخر تبعًا لتغير الأسواق.
وبناء على هذا القرار وهو ما أخذت به مجامع الفقه الإسلامي يتم حساب النصاب على النحو التالي:
( أ ) معرفة سعر جرام الذهب الخالص عيار 21 أو 24 في نهاية الحول وقت حلول موعد الزكاة.
(ب) حساب قيمة النصاب عن طريق ضرب 85 جراما في سعر الجرام (100 ريال على سبيل المثال) فيكون الناتج هو = 85 × 100 = 8500 ريال.
(جـ) يقارن وعاء الزكاة المحسوب في البند السابق بقيمة النصاب فإذا بلغ الوعاء النصاب تحسب الزكاة.
· ما هو الوقت المعتبر في كمال النصاب؟
اختلف العلماء في ذلك فذهب الحنفية([38]) والمالكية([39]) والشافعية في قول([40]) إلى اعتبار النصاب في طرفي الحول؛ فلا يضر نقصان النصاب أثناء الحول ما دام المال قد بلغ النصاب أول العام وآخره.
وذهب الحنابلة([41])، والشافعية في المعتمد عندهم([42]) إلى اعتباره في جميع الحول، فمتى ما نقص النصاب أثناء الحول انقطع الحول، ثم يستأنف حولًا جديدًا عند كماله مرة أخرى.
· تعقيب:
والراجح هو القول الأول، وذلك لأن في اعتبار النصاب في جميع الحول حرج، فقلما يبقى المال على حاله حولًا كاملًا، كما أن المشقة في التقويم في جميع العام كبيرة جدا؛ لأن الأسعار متغيرة ومتقلبة مما يسبب مشقة في التقويم في كل وقت، بخلاف ما لو جعلنا ذلك في أول الحول وآخره فقط([43]).
كما أن هذا الرأي يتفق مع مبدأ الحولية واستقلال السنوات المالية لا سيما في الشركات والمنشآت التجارية باختلاف النشاط الذي تقوم به([44]).
الأساس العاشر: نسبية سعر الزكاة.
وذلك أن سعر زكاة عروض التجارة 2.5% من وعاء الزكاة على الأساس الهجري، ولا يتغير هذا السعر بتغير الوعاء، وإذا حسبت الزكاة على أساس التقويم الميلادي فتكون النسبة 2.5775%.
وقد أجمع العلماء على أن الزكاة في عروض التجارة والنقدين ربع العشر([45]).
الأساس الحادي عشر: مقدار الزكاة محدد معلوم.
وذلك أن الزكاة الواجبة قدرٌ معلومٌ محدد ويحسب عن طريق ضرب وعاء الزكاة في نسبة الزكاة المحددة، وتكون المعادلة الحسابية على النحو التالي:
مقدار الزكاة = وعاء الزكاة × نسبة الزكاة
الأساس الثاني عشر: دفع الزكاة نقدًا أو عينًا.
فيمكن دفع الزكاة نقدًا أو عينًا، والقاعدة أن الزكاة تدفع من نفس جنس المال الذي من أجله وجبت، ويكون عينًا في زكاة الأنعام والزرع والحرث بما أن ذلك أنفع للفقير في أحايين كثيرة، وأما زكاة الأموال وعروض التجارة فتدفع نقدًا.
الأساس الثالث عشر: السنوية (الحولية).
ويقصد به: أن يمضي على المال في ملك صاحبه من حين صيرورته نصابًا كاملًا: حولًا كاملا وهو اثنا عشر شهرًا قمريًا.
· بداية الحول للشركات:
وبداية الحول هو يوم تأسيس الشركة، أي: يوم تسجيل الشركة، وكتابة العقود الخاصة بها، وتحديد رأس المال؛ لأن ما يسبق ذلك من إجراءات يكون معبرًا عن نية إنشاء الشركة، فهي مجرد مفاوضات، أما اللحظة التي تسجل فيها الشركة ويعلن عنها بأنها شركة قائمة وتبدأ مزاولة عملها، وقتها يبدأ حول هذه الشركة مهما كان نوعها([46]).
· هل نعتبر السنة القمرية أم الشمسية (الميلادية):
الأصل في اعتبار الحول هو مراعاة السنة القمرية في كل مال زكوي اشترط له الحول، لكننا اليوم نعيش في عصر تحسب فيه حسابات الشركات وتتم غالبية المعاملات والبيانات المالية المعتمدة على اعتبار السنة الشمسية (الميلادية)؛ لا سيما وأن محاسبة الزكاة تقوم على مبدأ استقلال السنوات المالية.
ولذا، فرفعا للحرج أجازت المجامع المفقهية والعلماء المعاصرون اعتبار السنة الميلادية في حال تعذر مراعاة التقويم القمري، حتى لا تضطر الشركات إلى تسوية حساباتها مرتين في العام الوحد؛ إحداها قمرياً لغاية حساب الزكاة -حيث إن عدد أيام السنة القمرية (354) يوم -، ومرة أخرى ميلاديًا لغاية تبيان الوضع المالي – حيث إن عدد أيام السنة الشمسية (365) يوم-، ولا يخفى ما في ذلك من عنت ومشقة.
ولكن لا بد من زيادة نسبة مقدار الزكاة بعدد الأيام الزائدة – 11 يوما -، فتصبح النسبة الجديدة (2.5775%)، مع أملنا بتوحيد التقويم على أساس السنة الهجرية في جميع المرافق، وفي جميع المعاملات المالية وغير ذلك؛ اتباعًا لمراد الله وتشريع رسوله r، وعمل السلف الصالح([47]).
وبناء على ما تقرر:
فتختار كل شركة التاريخ السنوي المناسب لها حسب ظروفها وتاريخ انتهاء سنتها المالية، وقد يكون هذا التاريخ هو تاريخ إعداد الحسابات النهائية والقوائم المالية، أو أي تاريخ آخر يتفق عليه الشركاء أو مجلس الإدارة، فتجعله حولها السنوي.
الأساس الرابع عشر: الزكاة على واقع الحال.
وذلك أن المعتبر في محاسبة الزكاة واقع حال المنشأة في يوم حولان الحول.
وعليه:
فلا عبرة شرعًا بالمخصصات التي تنشئها الشركة من باب الحيطة والحذر؛ إلا إذا كانت تلك المخصصات تحمل في طياتها ظنا راجحا كما في مخصص الديون المشكوك في تحصيلها، أو مخصص استهلاك الأصول الثابتة بشرط ظهورها بصافي قيمتها في الموجودات وأما ما سوى ذلك مما أنشأته الشركة حفاظًا على مصالح المستثمرين فإنه لا عبرة به في واقع محاسبة الزكاة، بل العبرة بواقع حال المنشأة اقتصاديًا.
الأساس الخامس عشر: الإفصاح الزكوي التام.
وذلك أن لمحاسبة الزكاة متطلبات تلائمها تختلف عن متطلبات المحاسبة المالية؛ فيجب على النشاط الاقتصادي أن يعرض المعلومات المالية بوضوح وشفافية كاملة على وفق ما تتطلبه المحاسبة الزكوية من تفاصيل قد تختلف عن التفاصيل التي تتطلبها المحاسبة المالية العامة.
وقد حذر النبي r من هلاك الأموال متى دخلت الصدقة عليها فقال: “ما خالطت الصدقة مالًا قط إلا أهلكته”([48])، وعدم الإفصاح التام يؤدي بالضرورة إلى عدم حساب الزكاة على الوجه الصحيح، مما يبقي بعض مال الصدقة غير مزكى، فيتحقق فيه الهلاك.
فيجب على المكلف أن يفصح جميع المعلومات المحاسبة التي يحتاج إليها لحساب الزكاة بشفافية تامة، دون كتمان أو تلاعب.
الأساس السادس عشر: التقدير.
وذلك أن المحاسب الزكوي قد يلجأ إلى التقدير في بعض الأحوال فيما لو لم يكن قادرًا على الوصول إلى المعلومات الكافية لحساب زكاة بند معين.
وقد سن رسول الله r التقدير فكان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم([49]).
وقد اختلف العلماء في حكم التقديرفي الخارج من الأرض على قولين:
القول الأول: ذهب عامة أهل العلم إلى جوازه مستدلين بعدة أدلة منها:
-
عن عتاب بن أسيد أن النبي r كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم([50]). وفي رواية عنه: “أمر رسول الله r أن يخرص العنب كما يخرص النخل([51]).
-
أن النبي r قد عمل به، فخرص على امرأة بوادي القرى حديقة لها، وقال للمرأة: أحصي ما يخرج منها ([52]).
-
وعن سهل بن أبي حثمة قال: قال رسول الله r: “وإذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع”([53]).
-
وعمل به الخلفاء الراشدون، وعامة الصحابة على تجويزه، ولم يذكر عن أحد منهم خلاف([54]).