How Can We Help?
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر
-
زكاة الفطر:
هي الصدقة عن البدن والنفس، في ختام الصوم، وإضافة الزكاة إلى الفطر لأنها تجب بالفطر من رمضان([1])، والفطر لفظ إسلامي، اصطلح عليه الفقهاء([2])، وتسمى صدقة الفطر، أو زكاة رمضان، أو زكاة الصوم، أو صدقة الرؤوس، أو زكاة الأبدان.
-
حكم زكاة الفطر:
عامة السلف وجماعة فقهاء الأمصار أنها واجبة فرضًا، لما رواه الشيخان عن ابن عمر k قال: “فرض رسول الله g زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن صدقة الفطر فرض، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم([3])، وعن ابن عمر([4])، وأبي العالية([5])، عطاء([6])، ومحمد بن سيرين([7])، وسعيد بن المسيب([8])، في قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14]: هو زكاة الفطر.
-
الحكمة في فريضة زكاة الفطر:
وزكاة الفطر تتعلق ببدن بالصائم، فهي زكاة بدن لا زكاة مال([9])، بالاتفاق([10])، ولذا تجب على كل مسلم حتى على الفقير إذا وجد فاضلًا عن قوت يومه([11])، وهي طُهرة للصائم من اللغو والرفث، ووجوبها على من ليس من أهل الصوم، كالصغير والمجنون ومن عليه قضاء قبل قضائه؛ فهي صدقة شكر حيث أبقاه الله تعالى عامًا من الأعوام وأنعم عليه بالبقاء([12])، وشرعت لإغناء الفقراء عن السؤال ذلك اليوم، لأن الناس يمتنعون غالبا عن التكسب في أيام الأعياد ولعله ألا يجد الفقير من يستعمله فيها لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم([13]).
-
مصرفها: للفقراء والمساكين دون سائر أصناف الزكاة، وهذا مذهب المالكية([14])، وهو قول للحنابلة([15])، واختاره ابن تيمية([16])، وابن القيم([17]).
وهي مسألة مبنية على أنها: هل تجري مجرى صدقة الأموال، أو صدقة الأبدان كالكفارات؟ على قولين، فمن قال بالثاني؛ قال: إن صدقة الفطر تجري مجرى كفارة اليمين والظهار والقتل والجماع في رمضان ومجرى كفارة الحج، فإن سببها هو البدن ليس هو المال، كما في السنن عن ابن عباس: فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين([18]).
ولهذا أوجبها الله طعامًا كما أوجب الكفارة طعامًا، وعلى هذا القول فلا يجزئ إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم، فلا يعطي منها في المؤلفة ولا الرقاب ولا غير ذلك، وهذا القول أقوى في الدليل([19]).
-
حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر:
ونعني بإخراج القيمة: إي إخراج الثمن الذي يقوّم به الواجب، ويقوم مقامه([20]).
وقد اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع المنصوصة([21])، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه: “فرض رسول الله g زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير”([22])، وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: “كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب”([23]).
-
وأما إخراج قيمتها للفقير، فقد اختلف فيه الفقهاء:
القول الأول: عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة([24]).
القول الثّاني: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا، وهو مذهب الحنفية([25])، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز([26])، والحسن، والثوري([27])، وهو ظاهر تبويب البخاري فإنه بوّب: “باب العرض في الزكاة”([28]).
أدلة القول الأول:
-
حديث ابن عمر السابق: “فرض رسول الله g زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير”؛ فإن النبي g فرض الصدقة من تلك الأنواع، فمن عدل إلى القيمة فقد ترك المفروض([29]).
ونوقش: بأن ذكرَ هذه الأنواع ليس للحصر، وإنما هو للتيسير ورفع الحرج، فإخراج تلك الأنواع المنصوصة أيسر من إخراج غيرها من الأموال فقد عين النبي g الطعام في زكاة الفطر لشدة احتياج الفقراء إليه، ولقلة الأقوات في الأسواق، فلو جعلها بالنقد لربما عسر وجود الطعام، ولذا كان غالب المتصدقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يتصدقون إلا بالطعام([30]).
وأيضًا ما ذكر في حديث ابن عمر k من أنواع في صدقة الفطر كانت في زمنهم قوتاً معتاداً للناس يدخر ويتداول كالدراهم، فالبر والشعير والتمر كانت نقوداً سلعية في ذلك الوقت لقياس قيم السلع الأخرى لذا جاز إخراج القيمة في زكاة الفطر([31]).
-
حديث أبي سعيد السابق: “كنا نخرجها على عهد رسول الله g صاعًا من طعام، وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والأقط”([32])، فتتابعهم على ذلك دليل على أن المشروع إخراجها طعامًا.
ونوقش بأن من الصحابة من اعتبر القيمة في الجملة، كما جاء في عدل معاوية حنطة الشام بضعفي غيرها([33]).
-
أن ابن عباس رضي الله عنه قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين”([34])، فالطعمة تكون بما يطعم، ولا تكون بالدراهم التي تقضى بها الحاجات، مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما مقصود للشارع.
ويناقش بأن ذلك حين يكون عوزه للطعام، فإذا كان في بلد لا يعوزه ذلك؛ فكيف يقال: لابد منه؟
-
أن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين كما لو أخرجها في غير وقتها المعين.
ويناقش بأن هذا استدلال بالدعوى، فإن الخلاف قائم هل كانت شريعةً مقصودةً من ذلك الجنس، أم أن ذلك لتيسر الطعام على المعطي، وحاجة الآخذ له.
-
أن مخرج القيمة عدل عن المنصوص، إلى غير المنصوص فلا تجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد([35]).
ونوقش: بأنه إنما عدل عنه لكون ذلك هو الأصلح للفقير والأوفق لحاجته، مع عدم وجود الدليل المانع من ذلك([36]).
-
أن إخراج زكاة الفطر من الشعائر، فاستبدال المنصوص بالقيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها.
ويرد عليه بأن الدعوى أن الإخراج من جنس معين من الشعائر يحتاج لدليل، ولذا لا يصح قياسها على عدم إخراج القيمة في الأضاحي لأن الأدلة قد دلت على الذبح من الشعائر.
-
أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من أصناف متعددة مختلفة القيمة، فدلّ على إرادة الأعيان، ولو كانت القيمة معتبرة لفرضها من جنس واحد، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى، لاسيما مع تغاير أثمانها وتفاوت قيمها.
-
ويناقش: بأن هذا التفاوت قد لا يكون كبيرًا، وأيضًا فرضها من أصناف متعددة له حكم، كتيسير العطاء على المعطي، بتنوع الأصناف عليه، من فقد التمر وجد البر، ومن فقد البر وجد الإقط، وأيضا فقد روي أن النبي r غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجة، وسدّ الخلة فأوجب من التمر والشعير صاعًا، ومن البر نصف صاع، وذلك لكونه أعلى ثمنًا لقلته بالمدينة في عصره، فدل على أنه اعتبر القيمة، ولم يعتبر الأعيان، إذ لو اعتبرها لسوى بينها في المقدار([37])،
أدلة القول الثّاني:
-
أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم”([38])، والإغناء يحصل أحيانا بالقيمة؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة([39])، بل لعل القيمة في غالب البلدان أكثر إغناء، فالحكمة أن يعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، وهذا المعنى لا يحصل اليوم في بلادنا بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم حتى لو أرادوا اقتياته على خلاف العادة([40]).
-
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة، إما لندرة النقود عند العرب وإما أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها.
-
أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة 103]، والمال في الأصل ما يملك من الذهب أو الفضة، وبيان الرسول g للمنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لحصر الواجب([41]).
-
أن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[سورة النساء 92]، وجه الدلالة: أن المال هو المحبوب، فإن كثيرًا من الناس يهون عليه إطعام الطعام، ويصعب عليه دفع ثمن ذلك للفقراء، بخلاف الحال في عصر النبي r، ولذا كان إخراج الطعام في حقهم أفضل لأنه أحب، وإخراج المال في عصرنا أفضل، لأنه إلينا أحب([42]).
-
أن ورود الشرع بجواز الطعام يكون ورودًا بجواز القيمة بل أولى، لأن تمليك الثمن أقرب إلى قضاء حاجة المسكين من تمليك عين الطعام؛ فبه يتوصل إلى ما يختاره من الغذاء الذي اعتاد الاغتذاء به فكان أقرب إلى قضاء حاجته فصار أولى بالجواز.
-
ولأن الكفارة جعلت حقًا للمسكين، فمتى أخرج من عليه الطعام إلى المستحق بدله وقبله المستحق عن طوع فقد استبدل حقه به فيجب القول بجواز هذا الاستبدال بمنزلة التناول في سائر الحقوق([43]).